Isro' Mi'roj

المواهب اللدنية بالمنح المحمدية

اعلم أن قصة الإسراء والمعراج من أشهر المعجزات، وأظهر البراهين البينات، وأقوى الحجج المحكمات، وأصدق الأنباء، وأعظم الآيات، وأتم الدلالات الدالة على تخصيصه- صلى الله عليه وسلم- بعموم الكرامات.
وقد اختلف العلماء فى الإسراء هل هو إسراء واحد فى ليلة واحدة؟ يقظة أو مناما؟ أو إسراآن كل واحد فى ليلة، مرة بروحه وبدنه يقظة، ومرة مناما، أو يقظة بروحه وجسده؟ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم مناما من المسجد الأقصى إلى العرش، أو هى أربع إسراآت؟

فالحق: أنه إسراء واحد، بروحه وجسده يقظة، فى القصة كلها. إلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغى العدول عن ذلك، إذ ليس فى العقل ما يحيله. قال الرازى: قال أهل التحقيق: الذى يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد- صلى الله عليه وسلم- وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر: أما القرآن فهو قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا «1» ، وتقرير الدليل: أن «العبد» اسم للجسد والروح، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بجميع الجسد والروح، ويدل عليه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى «2» ولا شك أن المراد هنا مجموع الروح والجسد، وأيضا: قال سبحانه وتعالى فى سورة الجن: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ «3» ، والمراد: مجموع الروح والجسد وكذا هاهنا، انتهى.

واحتجوا أيضا: بظاهر قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أسرى بى» لأن الأصل فى الأفعال أن تحمل على اليقظة حتى يدل دليل على خلافه. وبأن ذلك لو كان مناما لما كان فيه فتنة للضعفاء، ولا استبعده الأغبياء. وبأن الدواب لا تحمل الأرواح وإنما تحمل الأجسام، وقد تواترت الأخبار بأنه أسرى به على البراق.

فإن قلت: ما الحكمة فى كونه تعالى جعل الإسراء ليلا؟

أجيب: بأنه إنما جعله ليلا تمكينا للتخصيص بمقام المحبة، لأنه تعالى اتخذه- صلى الله عليه وسلم- حبيبا وخليلا، والليل أخص زمان للمحبين لجمعهما فيه، والخلوة بالحبيب متحققة بالليل «4» . قال ابن المنير: ولعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانا بالغيب وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم.
إذ الليل أخفى حالا من النهار، قال: ولعله لو عرج به نهارا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب، ولم يحصل ما وقع من الفتنة على من شقى وجحد، انتهى.

فإن قلت: أيما أفضل، ليلة الإسراء أو ليلة القدر؟ فالجواب: - كما قاله الشيخ أبو أمامة بن النقاش- أن ليلة الإسراء أفضل فى حق النبى- صلى الله عليه وسلم-، وليلة القدر أفضل فى حق الأمة، لأنها لهم خير من عمل فى ثمانين سنة لمن قبلهم،

وقال البيضاوى تبعا لصاحب الكشاف: وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء، ولذلك قرئ «من الليل» أى بعضه: كقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ «1» وتعقبه القطب فى حاشيته على الكشاف كما نبهت عليه فى حاشية الشفاء.

والمعاريج ليلة الإسراء عشرة، سبع إلى السماوات، والثامن إلى سدرة المنتهى. والتاسع إلى المستوى الذى سمع فيه صريف الأقلام فى تصاريف الأقدار، والعاشر إلى العرش والرفرف والرؤية وسماع الخطاب بالمكافحة والكشف الحقيقى.

وقد روى البخارى، عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن نبى الله- صلى الله عليه وسلم- حدثهم عن ليلة أسرى به [ قال] (بينما أنا نائم فى الحطيم- وربما قال: فى الحجر- مضطجعا، إذ أتانى آت فقدّ- قال: سمعته يقول: فشق- ما بين هذه إلى هذه. قال: فقلت للجارود وهو إلى جنبى: ما يعنى به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته.
فاستخرج قلبى، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبى، ثم حشى ثم أعيد.
ثم أتيت بدابة، دون البغل وفوق الحمار أبيض- فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه،
فحملت عليه، فانطلق بى جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح، قيل:
من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا بك فنعم المجىء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح.
ثم صعد بى حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجىء جاء ففتح لنا، فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.
ثم صعد بى إلى السماء الثالثة، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجىء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.
ثم صعد بى حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجىء جاء، ففتح فلما خلصت إذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.
ثم صعد بى حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح.
ثم صعد بى حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:

جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ والنبى الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكى لأن غلاما بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتى.
ثم صعد بى إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟
قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال:
نعم، قال: مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فرد السلام، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح.

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات.

ثم رفع إلى البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فاخترت اللبن، فقال: هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك.

ثم فرضت على الصلاة، خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: فقلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال:
إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإنى والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عنى عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عنى عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربى حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم.

وأجمع العلماء على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل الوحى. انتهى.

Komentar

Postingan Populer