IMAM MADZHAB
موجز تاريخ المذاهب الفقهية الإسلامية
في تاريخ الفقه الإسلامي هنالك مدارس فقهية كثيرة، بعضها اندرس وبعضها حفظ وانتشر في العالم الإسلامي، ومن المدارس التي كتب لها الله الذيوع والانتشار في القديم كانت بحسب الفترات التاريخية:
1. مذهب الإمام الأوزاعي في الشام، ومذهب الإمام أبي حنيفة في الكوفة، ومذهب الإمام الليث بن سعد في مصر، ومذهب الإمام مالك في المدينة.
الإمام الأوزاعي كان إمام أهل الشام بلا منازع وكان مذهبه منتشرا بقوة في الشام حتى أن الإمام مالك لم يقبل عرض أبي جعفر المنصور بفرض الموطأ على الأمصار كافة، ذلك لإن الصحابة سكنوا ودرَّسوا في كل بقع العالم الإسلامي، حتى وصل العلم إلى كل إمام من كل مِصر، وفي الشام فقيهها الذي ارتضاه أهلها فلا وجه لإكراههم على شيء هم غير راضين به وتركهم رأيا جروا على العمل به ثم هم عنه راضون.
2. ثم بعد ذلك جاء الإمام الشافعي فاشتهر مذهبه في العراق وعرف بالمذهب القديم وألف فيه كتابان وهما "الحجة" وكتاب "الإملاء للبويطي"، وبعد ذلك رحل إلى مصر واشتهر مذهبه هناك بالمذهب الجديد وألف فيه موسوعته "الأم" وكتاب "جامع العلم" وكتاب "الرسالة" وكتاب "اختلاف الحديث" وكتاب "الرد على محمد بن الحسن" وغيرها من الرسائل والكتب الهامة في تاريخ المذهب الشافعي.
وفي خلال فترة الإمام الشافعي كان مجتهدون كثر كأبي ثور قرين الإمام الشافعي، والذي تفقه به الإمام سيدي أبو القاسم الجنيد البغدادي قدس سره.
3. ثم جاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي تفقه على الشافعي وعلى كتب محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين.
وكان في فترة الإمام بن حنبل محدثون كثر نقل عنهم شيء كبير من الحديث النبوي الشريف، كيحيى بن معين، وعبد الرحمن بن المهدي.
وكان بعد ابن حنبل قد ظهر ابن جرير الطبري الذي لم يعتبر المذهب الحنبلي مذهبا لكونه عد ابن حنبل ضمن طائفة المحدثين لا الفقهاء، ولأجل هذا الرأي حوصر في بيته ليال وقذف بالحجارة من الحنابلة.
ولم يشتهر مذهب الحنابلة في المغرب العربي ولذلك لا ترى ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" يذكر رأي الحنابلة إلا في مسائل تحصى على اليد الواحدة.
وقد كاد مذهب الحنابلة يندرس لولا إحياء الجيلاني له وبعد ذلك جهود آل قدامة وآل تيمية في هذا، ثم تبني دولة آل سعود الحديثة للمذهب جعلت منه مذهبا متبعا وراسخا في الحجاز.
4. وكان من أصحاب الشافعي رجل يقال له داود بن علي والذي عرف فيما بعد بالظاهري ونسب له مذهب أهل الظاهر.
5. وفي الاندلس ظهر مذهب أهل الظاهر لكون ابن حزم الظاهري قد ظهر، ونصر مذهب داود وأحيا أقواله، وناظر عنه، حتى جاء الإمام أبو الوليد الباجي المالكي فكان له اليد الطولى في رد أقوالهم في المغرب العربي والأندلس.
ما هو سبب اندراس بعض المذاهب؟
يجيب عن هذا إمامنا الشافعي رضي الله عنه عندما تحدث عن الليث بن سعد فقال: "كان الليث أفقه من مالك غير أن أصحابه لم يقوموا له".
وأيضا عدم وصول كتب هذه المذاهب إلينا إما لأن أصحاب هذه المذاهب لم يكتبوا آرائهم وكانوا فقط يكتفون بالإملاء، وهو التحديث أمام الطلبة، والطلبة بدورها تكتب على الكراريس والدفاتر، وإما أن يكون بضياع كتبهم فيما ضاع من الكتب، فإننا نعلم أنه لما اسقطت الخلافة في بغداد على يد التتار، قام التتار بحرق كثير من الكتب وإغراق كم هائل منها في نهري دجلة والفرات، حتى أن بعض أهل التأريخ ذكروا أن نهري العراق جرت شهرا بالمداد من كثر ما أغرقوا من الكتب وأتلفوا من العلم.
وقد يكون أيضا بسبب تحول مذاهب طلبتهم إلى جهات أخرى وهذا كان واردا عند العلماء أن يبتدأ طلبه على مذهب ثم يرى غيره فينتقل إلى مذهب إمام آخر غير الأول.
هل يجوز تقليد المذاهب المندرسة؟
هذه مسألة يحسن الوقوف عندها وفي الجواب عليها طريقتان، وهما طريقة المحافظين من الفقهاء، وطريقة المجددين من الفقهاء، فأما المحافظون فيرون أن تقليد مذاهب الفقهاء الذين أندرست مذاهبهم غير جائزة إذ لم تدون ولم تضبط مذاهبهم ولم تخدم كما خدم مذاهب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، ولفقدان السند المتصل إلى قائلها في غالب المسائل المنسوبة إليه.
وأما المجددون من الفقهاء فيرون جواز تقليدها بشروط وذكروا منها أن تتوفر الاستفاضة بالخبر عن صاحب هذا المذهب أنه قال في مسألة كذا فيكفي ولو لم يتصل السند، فإنهم ما كانوا لينسبوا إلى الرجل قولا ويستفيض عنه القول به وهو لم يقله، وأن تدعو الحاجة إلى الأخذ بهذا القول ليسره أو لملائمته لعصر المستفتي، أو لقوة حجته في ذاته.
والله أعلم
Komentar
Posting Komentar